الحسد في الميزان الإلهي: تأملات في حديث رسول الله (ص) عن آفة القلوب

إنارات فقهية فبراير 16, 2025 فبراير 16, 2025
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A

 

الحسد في الميزان الإلهي: تأملات في حديث رسول الله (ص) عن آفة القلوب


مقدمة

الحسد آفة قديمة تتغلغل في النفوس، تُفسد العلاقات وتُظلم القلب، وهو من الأمراض الخفية التي حذّر منها الإسلام أشد التحذير. حديث رسول الله (ص) الذي رواه الإمام الصادق (ع) في بحار الأنوار يضعنا أمام رؤية كونية عميقة لخطورة الحسد، ليس كمجرد شعور سلبي، بل كتمرد على القضاء الإلهي وبُعد عن رحمة الله.

فكيف نفهم هذا الحديث؟ وما الدروس التي نستقيها منه؟


النص النبوي وتفسيره

روي عن رسول الله (ص) قوله:

«قال الله عز وجل لموسى بن عمران: يا ابن عمران لا تحسدن الناس على ما آتيتهم من فضلي، ولا تمدن عينيك إلى ذلك، ولا تتبعه نفسك، فإن الحاسد ساخط لنعمي، صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي، ومن يك كذلك فلستُ منه وليس مني»
(بحار الأنوار، ج70، ص249)

في هذا الخطاب الإلهي لسيدنا موسى (ع) تبرز ثلاث وصايا جوهرية:

  1. النهي عن الحسد: فهو رفض لفضل الله الذي خصّ به الآخرين.
  2. تحريم النظر بالتمني: التطلع إلى ما عند الآخرين يزرع الشقاء في القلب.
  3. منع اتباع النفس الأمارة: الاستسلام لوساوس الحسد يُبعد العبد عن روح العبودية.

ويُعرِّف الله الحاسد بأنه "ساخط لنعمي"، فكأنه يعترض على حكمة الرب في توزيع الأرزاق، و"صاد لقسمي" أي معترض على القسمة الإلهية التي هي مظهر من مظاهر العدل والرحمة.


خطورة الحسد بين الدين والمجتمع

1. تمرد على الإرادة الإلهية

الحسد يجعل العبد في موقع المُعارض لاختيارات الله، وكأنه يقول: "لِمَ أعطيتَ غيري ولم تعطني؟"، متناسياً أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.

2. تدمير البنية الاجتماعية

الحاسد لا يكتفي بتمني زوال النعمة عن الآخرين، بل قد يسعى للإضرار بهم، مما يُفقد المجتمع الأمان والتواصل.

3. عقوبة أخروية

الحديث يختم بوعيد شديد: "من يك كذلك فلستُ منه وليس مني"، فالحاسد يقطع صلته بربه، ويخسر رضوانه.


كيف نُعالج الحسد في قلوبنا؟

  1. التدريب على الشكر: تذكَّر نِعَم الله عليك، فالشكر يُنمي النعم ويُذهب الضغينة.
  2. الثقة بحكمة الله: قال تعالى:

    "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ" (البقرة: 216)
    فما حُرِمته قد يكون خيراً لك.

  3. تطهير القلب بالدعاء: كرّر:

    "اللهم اقسم لي من خشيتك ما يَصُدُّني عن معصيتك"

  4. تحويل الحسد إلى منافسة إيجابية: بدل تمني زوال النعمة، اجعلها حافزاً للعمل والنجاح.

خاتمة

الحسد جمرة تختبئ في الصدر، إن أَطفأناها بالإيمان صِرنا من أهل القناعة، وإن أطلقنا لها العنان أحرقتنا. لنكن كسيدنا موسى (ع) الذي تلقى هذا النداء الإلهي ليكون قدوة في التسليم لقسمة الله.

فلنُربِّ أنفسنا على النظر إلى ما في أيدينا بدل التلهف إلى ما في أيدي الآخرين، ونتذكر دائماً:

مَن رضي بقسمة الله، أورثه الله قلباً غنياً.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إنارات فقهية

الكاتب إنارات فقهية

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

4664961831068661378
https://fadhelalrayes.blogspot.com/