حوار افتراضي بين السيد محمد باقر الصدر وتلميذه حول الأسس المنطقية للاستقراء

إنارات فقهية فبراير 14, 2025 فبراير 14, 2025
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A

 

حوار افتراضي بين السيد محمد باقر الصدر وتلميذه حول الأسس المنطقية للاستقراء


التلميذ: السلام عليكم أستاذي، أود أن أسألك عن الأساس الذي يُبنى عليه الاستقراء في منهجك الفلسفي. كيف يمكننا تبرير الانتقال من ملاحظات جزئية إلى قوانين كلية دون الوقوع في مغالطة التعميم؟

محمد باقر الصدر: وعليكم السلام ورحمة الله. سؤالك جوهري، وهو يُلامس لب إشكالية الاستقراء التي شغلت الفلاسفة منذ هيوم. الاستقراء التقليدي يعتمد على التكرار الحسي، لكن هذا لا يكفي لضمان اليقين. أنا أرى أن الاستقراء لا يعتمد فقط على التراكم التجريبي، بل على مبدأ العليّة المتسقة الذي يفترض وجود نظام كلي في الكون.

التلميذ: لكن أليس هذا المبدأ نفسه بحاجة إلى تبرير؟ كيف نثبت أن الطبيعة تخضع لنظام ثابت دون استخدام الاستقراء، مما يوقعنا في دورية منطقية؟

الصدر: أحسنت. هنا نصل إلى لب نظريتي: الاستقراء ليس عملية عقلية صرفة، ولا حسية مجردة، بل هو نشاط معرفي مركب. الأساس يكمن في الإيمان بـ الحكمة الإلهية التي تُنظم الكون. فالنظام الكوني ليس صدفة، بل هو تجلٍّ لإرادة الخالق الحكيم، وهذا يُشكّل الضمانة الميتافيزيقية لصحة الاستقراء.

التلميذ: إذن أنت تدمج بين الميتافيزيقا والعلم؟ ألا يُعارض هذا المنهجَ العلمي الحديث الذي يفصل بينهما؟

الصدر: على العكس، العلم يَفترض مسبقًا وجود نظام، لكنه لا يقدّم تفسيرًا لهذا الافتراض. هنا يأتي دور الفلسفة لتكمل الصورة. الاستقراء عندي يقوم على ثلاث مراحل:

  1. الملاحظة التجريبية.
  2. الاستنتاج العقلاني المبني على مبدأ العليّة.
  3. التأصيل الميتافيزيقي عبر الإيمان بالحكمة الإلهية.
    بهذا نتفادى مشكلة هيوم التي تجعل الاستقراء مجرد عادة ذهنية.

التلميذ: لكن كيف نوفّق بين هذا وبين نظرية الاحتمالات الرياضية التي تُعامل الاستقراء كظاهرة إحصائية؟

الصدر: الرياضيات تُعطينا احتمالات، لكن اليقين في القوانين العلمية —كقوانين الفيزياء— يفوق الاحتمال الإحصائي. هذا اليقين مُستمد من إدراكنا أن الكون محكوم بـ غائية عاقلة، وهو ما يُعطي الاستقراء بُعدًا وجوديًّا يتجاوز الماديات.

التلميذ: أفهم الآن أنك ترفض الفصل الحاد بين العقل والحس، وتُنشئ جسرًا بينهما عبر الميتافيزيقا. فهل هذا يعني أن الاستقراء عندك هو طريق للمعرفة الواقعية وليس فقط الأداتية؟

الصدر: تمامًا! الاستقراء ليس أداة عملية فحسب، بل هو اكتشاف لحقائق الكون. والله خلق العقل والإنسان والطبيعة في تناغم يجعل المعرفة المطلقة ممكنة، شرط أن نربط الجزئي بالكلي، والمحسوس بالمعقول، والمادة بالغاية.


التلميذ: شكرًا أستاذي، كأنك تفتح لنا نافذة على الكون حيث المنطق والإيمان يتعانقان!

الصدر: العقلُ نور، والإيمانُ روحه، وباجتماعهما تُدرك الحكمة. واصل البحث، واعلم أن كل تساؤلك خطوة نحو الحقيقة.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إنارات فقهية

الكاتب إنارات فقهية

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

4664961831068661378
https://fadhelalrayes.blogspot.com/