اعداد وتقرير :فاضل الريس
من خلال قراءة نقدية معمقة للمقال الذي قدَّمه الشيخ مقداد الربيعي، حول أطروحة الشيخ حيدر حب الله بشأن نهضة الإمام الحسين عليه السلام، يمكننا إظهار مجموعة من النقاط الجوهرية التي تتعلق بالمنهجية المعتمدة والأدلة المطروحة. هذه النقاط تستدعي فحصًا نقديًا أكاديميًا صارمًا يعالج المسائل المطروحة من زوايا متعددة، بما يتجاوز النقد السطحي، ويسعى للوصول إلى نتائج موثوقة وقابلة للنقاش العلمي الرصين.
1. التسرع في نقد منهجية الشيخ حب الله
الشيخ الربيعي يقدّم نقدًا شديدًا على ما يراه "تسرعًا" في طرح الشيخ حب الله بخصوص تفسير النهضة الحسينية. ولكن، النقد يبدو أنه يفتقر إلى تحليل علمي دقيق في تحديد الأسس التي أفضت إلى هذا التسرع المفترض. حيث كان من الأجدر بالشيخ الربيعي أن يطرح تساؤلات منهجية حول الإطار المعرفي الذي اعتمده حب الله في مقاربته، بدلًا من تقديم حكم عام بالإجمال على تسرع تفسيراته. يمكن القول أن التأكيد على ضرورة استقصاء الأدلة يتطلب مراجعة دقيقة لكيفية بناء حب الله لرؤيته استنادًا إلى مختلف الأبعاد الفقهية والتاريخية التي تستند إليها أطروحاته. وإن كان الربيعي قد رأى أن الشيخ حب الله لم يستقصِ، فإنه كان يقتصر على توجيه النقد دون تقديم توجيه مقارن أو عرض وجهات نظر أخرى ربما ساعدت في صياغة تلك الرؤية.
2. إغفال منهجية الشيخ حب الله في التعامل مع النصوص التاريخية والروائية
إحدى القضايا الهامة في مقال الشيخ الربيعي هي استناد الشيخ حب الله إلى ما يسميه "التخطيط البشري" للثورة الحسينية في حين يتبع الشيخ الربيعي منهجًا يركز على النصوص الروائية التي تدل على وجود "تكليف إلهي" لنهضة الحسين. هنا، من المهم أن نتناول طريقة التعامل مع هذه النصوص التاريخية والروائية. ما يعوزه النقد هو إدراك أن النصوص التي يقدّمها الشيخ الربيعي تمثل رؤية واحدة ضمن مجموعة متنوعة من الأدلة التاريخية والروائية التي يمكن أن تحمل أكثر من تفسير. بدلاً من تبني مقاربة أحادية كما في عرضه، كان من الأفضل فتح باب التحليل على تعدد القراءات، بحيث تكون النصوص التاريخية والروائية جزءًا من عملية تحليل تتسم بالعمق والنقد العلمي الدقيق.
في هذا السياق، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن مصادر الأدلة التي يعتمد عليها الربيعي لا تقتصر على الحديث عن التكليف الإلهي فقط، بل تمثل صورة معينة عن واقع أحداث كربلاء وفهمها عبر التفسير الديني التقليدي. ولكن، لا يمكن التغاضي عن وجود أبعاد أخرى يجب أن تُدرس في سياقها الزمني والسياسي، مثل التفاعلات الاجتماعية والسياسية التي أثرت في القرارات التي اتخذها الإمام الحسين عليه السلام.
3. التعامل مع قضية "التكليف الإلهي" والتفسير الغيبي
الحديث عن "التكليف الإلهي" الذي كان مفترضًا في الثورة الحسينية يتطلب فحصًا دقيقًا لمدى صحة هذا المفهوم، وكيفية تفسيره في إطار الأدلة الروائية المتنوعة. إن الفهم الذي يقدمه الشيخ الربيعي، في تأكيده على أن الإمام الحسين عليه السلام قد خُيِّر بين البقاء أو الرحيل ضمن إطار التكليف الإلهي، ربما لا يعكس الحقيقة التفسيرية المتعددة للنهضة الحسينية. ففي الأدبيات الفقهية والتاريخية، ثمة فتاوى ومواقف تختلف حول هذا التفسير الغيبي. من الناحية المنهجية، كان ينبغي للشيخ الربيعي أن يطرح هذه المسألة في سياق تطور الفكر الشيعي حول التكليف الإلهي، والذي قد تكون له أبعاد تفسيرية أخرى تتجاوز الإيمان البسيط بأن كل حركة سياسية أو دينية في تاريخ الأمة كانت مجرد تنفيذ لتكليف إلهي محض.
تفسير "التكليف الإلهي" يتداخل مع العديد من المواقف التي تتخذها السلطة الدينية في فهمها لواقع الحسين عليه السلام كأمر إلهي. كان من الممكن أن يعالج الشيخ الربيعي في مقاله هذه القضية ضمن إطار أوسع، ويعرض أبعاد التكليف وكيف يتم فهمه في ظل الأحداث التي سبقت كربلاء، مثل النقاشات حول حكم يزيد والأوضاع السياسية التي مر بها أهل البيت. هذا من شأنه أن يمنح المسألة عمقًا أكبر.
4. إغفال عوامل السياق التاريخي والاجتماعي والسياسي
الحديث عن النهضة الحسينية لا يمكن أن يتم في فراغ من السياق التاريخي والاجتماعي والسياسي الذي كان يعيشه الإمام الحسين عليه السلام. إن إغفال هذا الجانب في المقال يتسبب في اختزال نهضة الإمام الحسين عليه السلام في مجرد خلافات مذهبية أو تكليف إلهي وحسب. الواقع التاريخي يعكس حالة من الاضطراب السياسي والاجتماعي في الدولة الأموية، وهو ما كان له بالغ الأثر في دفع الإمام الحسين إلى اتخاذ قراره بالخروج، رغم معرفته المسبقة بمقتله. كانت الظروف السياسية التي فرضتها السلطة الأموية تدفع بالعديد من الشخصيات الدينية إلى اتخاذ مواقف حاسمة، كما نراه في العديد من نصوص التاريخ التي تتحدث عن ثورة الحسين بأنها كانت تعبيرًا عن رفض الظلم وانحراف النظام الأموي، إضافة إلى كونها لحظة محورية في تاريخ الأمة الإسلامية.
يجب أن تكون هذه العوامل محورية في تفسير نهضة الإمام الحسين عليه السلام، وليس الاكتفاء بعرض النصوص الدينية التي تروج لتفسير غيبي محض. كما أن تجاهل هذه العوامل التاريخية والسياسية يعزل الأحداث عن تطورات الأمة التي كانت تعيش تحت طائلة حكم يزيد. كان من الممكن تعزيز المقال بنقد منهجي أوسع يعكس فهمًا شاملًا لهذه التفاعلات بين السياسة والدين في المجتمع الإسلامي.
5. المقاربة المنهجية والشرعية لأطروحة الشيخ حب الله
من المهم الإشارة إلى أن الشيخ حيدر حب الله في أطروحته يقدم تحليلًا يستند إلى قراءة عقلانية وعلمية للفكر السياسي الشيعي، حيث يرى أن الإمام الحسين عليه السلام لم يكن يتحرك فقط وفقًا لأوامر إلهية خالصة، بل كان أيضًا يتفاعل مع معطيات الواقع السياسي والاجتماعي. بالتالي، فإنه من المهم تأصيل هذا الطرح في سياق النقاش الفقهي والسياسي المعاصر الذي يتناول تفاعلات السياسة مع الشريعة.
كان من الأجدر بالشيخ الربيعي أن يتناول أطروحة الشيخ حب الله في ضوء مناهج فقهية متعددة، مثل الفقه السياسي الإسلامي، الذي يأخذ بعين الاعتبار التفاعل بين الدين والسياسة في السياقات المختلفة. في هذا الإطار، يمكن طرح عدة تساؤلات حول كيفية استفادة الثورة الحسينية من المعطيات السياسية والاجتماعية آنذاك، وكيفية فهم التكليف الإلهي في ظل هذه التحديات.
الختام
النقد الذي يقدمه الشيخ الربيعي يفتقر إلى تحليل علمي دقيق ومعمق لجميع الأبعاد التي يتضمنها موضوع النهضة الحسينية. من المهم إعادة النظر في هذه القضايا ضمن إطار أكاديمي يتسم بالموضوعية والتعددية، ويأخذ في اعتباره مختلف الأدلة الروائية والفقهية مع إدراك السياقات التاريخية والسياسية التي أحاطت بكربلاء.
0 تعليقات