قراءة في كتاب "سرديات التنوير والإسلام" - فاضل الريس

قراءة  في  كتاب "سرديات التنوير والإسلام"

اعداد وتقرير - فاضل الريس 

مقدمة:

يُشكّل كتاب "سرديات التنوير والإسلام: المفاهيم وإمكانات التأسيس" لِمهند خورشيد وياسين اليحياوي، مرجعًا هامًا لكلّ من يرومُ الغوص في إشكالية التنوير وعلاقتها بالإسلام، ويسعى إلى الإجابة عن سؤالٍ محوريٍّ لطالما شغلَ المُفكّرين المسلمين، وهو: هل يُمكنُ التوفيق بين الإسلام وقيم التنوير؟

الفصل الأوّل: مدخلٌ تاريخيٌّ لفكرة التنوير

التنوير وإشكالية التعريف:

يُعرّف كانط التنوير بأنّه "خروج الإنسان من حالة القصور التي هو مسؤول عنها"، وهو ما يعني قدرة الإنسان على استخدام عقله دون وصايةٍ من أحد، وهو تعريفٌ يُعبّر عن جوهر الحداثة الغربية التي قامت على إعلاء شأن العقل، ونبذ التقاليد والخرافات، والدعوة إلى الحرية الفردية والجماعية. وقد كان لهذه الحركة الفكرية أثرٌ كبيرٌ على الفكر الإسلامي الحديث، حيث تأثّر بها العديد من المفكرين والباحثين المسلمين، الذين حاولوا تطبيق مبادئها وقيمها في سياقاتهم الإسلامية، وقد كان من أبرز نتائج هذا التأثّر ظهور ما يُعرَف بـ "الإسلام الليبراليّ" الذي يُنادي بحرية الفكر والتعبير، ويدعو إلى فصل الدين عن الدولة، ويرى أنَّ الإسلام يتوافق مع قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

التنوير ومرجعيته الدينية:

يرى بعض الباحثين أنَّ التنوير لا يتعارض مع الدين، بل هو يُسهم في تحديث الفكر الدينيّ، وتخليصه من الخرافات والبدع، وإعادة قراءته قراءةً عقلانيةً نقدية. وقد كان من أبرز المُفكّرين الذين تبنّوا هذا الرأي الإمام محمد عبده، الذي دعا إلى الاجتهاد في الدين، ونبذ التقليد، وإعادة بناء علوم الدين بما يتوافق مع روح العصر. وقد رأى عبده أنَّ الإسلام دينُ عقلٍ وعلم، وأنَّه يُحرّر الإنسان من كلّ أشكال الوصاية والتبعية.

الفصل الثاني: إعادة بناء المفاهيم: ضروراتٌ وتحديات

يُؤكّد كمال عبد اللطيف، في هذا الفصل، على ضرورة إعادة بناء قيم التنوير في العالم العربيّ، بما يتوافق مع روح العصر، ويُسهم في تحقيق نهضةٍ عربيةٍ إسلاميةٍ شاملة. ينتقد عبد اللطيف "التمركز الغربيّ" الذي يُهيمن على خطاب التنوير، ويُحاول فرضه كنموذجٍ كونيٍّ مُغلَق، مُشدّدًا على ضرورة استيعاب خصوصية الثقافة العربية والإسلامية، وإعادة بناء قيم التنوير بما يتوافق مع هذه الخصوصية.

الفصل الثالث: سؤال التنوير في التراث الإسلاميّ

الذاتية والفردية بين التراثين العربي الإسلامي والغربي:

يُثير هذا الفصل سؤالاً هامًّا، وهو: هل عرفت الحضارة الإسلامية، في تاريخها الطويل، نوعًا من "التنوير"؟ ويُحاول الإجابة عنه من خلال استعراض بعض النماذج الفكرية التي تُؤكّد على دور العقل في فهم الدين وتفسيره، مثل الغزاليّ وابن رشد، اللذين رأيا أنَّ العقل لا يتعارض مع الدين، بل هو يُسهم في فهمه فهماً صحيحاً، وتخليصه من الخرافات والبدع.

الفصل الرابع: سرديات التنوير في المذاهب الإسلامية المُعاصرة

يستعرض هذا الفصل بعض التجارب الإسلامية المُعاصرة التي حاولت التوفيق بين الإسلام وقيم التنوير، مثل "التجربة الشيعية في إيران"، التي مرّت بثلاث مراحل أساسية، هي: مرحلة "الثورة الدستورية"، ومرحلة "الثورة الإسلامية"، ومرحلة "التجديد النقديّ الحديث".

الفصل الخامس: سؤال التنوير في الاتجاهات الفكرية المُعاصرة

"الطريق الثالث" للحل:

يُناقش هذا الفصل بعضًا من أبرز الاتجاهات الفكرية المُعاصرة التي تناولت إشكالية التنوير وعلاقتها بالإسلام، مثل "الفكر الشخصانيّ" لمحمد عزيز اللحباوي، الذي يُنادي بـ "نقدٍ مزدوجٍ للمركزية الغربية والإغلاق الإسلاميّ"، ويرى أنَّ الإسلام يتوافق مع قيم الحرية والعدالة والمساواة.

الفصل السادس: رؤى مُتعدّدة لسؤال الإسلام والتنوير

التخيل كمدخل:

يُقدّم هذا الفصل مجموعةً من الرؤى المُختلفة حول إشكالية التنوير وعلاقتها بالإسلام، مثل "التّخيّل كمدخلٍ لتنويرٍ جديد"، و"علوم القرآن في البستيمولوجيا المعاصرة: عوائق التنوير ومُمكِنات التّجاوز".

الفصل السابع: الإسلام والتنوير: إشكالية الفهم والتّرجمة

إشكالية الترجمة:

يُركّز هذا الفصل على أهمية اللغة في فهم النصّ الدينيّ، وإشكالية ترجمة المفاهيم الإسلامية إلى اللغات الغربية، مثل ترجمة "فقه" إلى sharia، التي يراها البعض ترجمةً مُشوّهةً تُسهم في تكريس الصورة النمطية السلبية عن الإسلام.

خاتمة:

يُعدّ هذا الكتاب إضافةً نوعيةً للمكتبة العربية، لما يُثيره من أسئلةٍ هامّةٍ حول إشكالية التنوير وعلاقتها بالإسلام، ولِما يُقدّمه من وجهات نظرٍ مُختلفةٍ تُسهم في إثراء النقاش حول هذه القضية المُركّبة.