كتاب "ثم اهتديت" للدكتور محمد التيجاني السماوي: رحلةٌ من الشك إلى اليقين

إنارات فقهية مايو 21, 2025 مايو 21, 2025
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A


يُقدِّم الدكتور محمد التيجاني السماوي في كتابه "ثم اهتديت" سرداً شخصياً لرحلة بحثه عن الحقيقة الدينية، بدءاً من نشأته في بيئة صوفية تيجانية في تونس، مروراً بأسئلته الجريئة، ووصولاً إلى تحوُّله إلى المذهب الشيعي. لا يكتفي الكتاب بسرد الوقائع، بل يُغوص في التفاصيل الفكرية والعاطفية التي صاغت مسار المؤلف، مُستخدِماً لغةً سلسةً تخلط بين السيرة الذاتية والحوارات العقلية، لِيُقدِّم وثيقةً تُجسِّد صراع الإنسان بين التراث والبحث عن اليقين.  

يبدأ السماوي برسم خريطةٍ لطفولته الدينية، حيث نشأ في عائلةٍ مُتديِّنة تنتمي إلى الطريقة التيجانية، وهي طريقة صوفية تُركِّز على الذكر وارتباط المريد بالشيخ. يصف الكاتب كيف شكَّلت هذه البيئة وعيه المبكر، لكنها أيضاً زرعت فيه أسئلةً حول مفاهيم مثل التوسُّل بالأولياء و"الشرك الخفي"، والتي ستُصبح لاحقاً محوراً لشكوكه. رحلته إلى الحج في سنٍ مبكرة كانت نقطة تحوُّل، إذ اطَّلع على أفكار الوهابية التي رفضت الصوفية، مما فتح أبواباً جديدةً للتساؤل: *كيف يختلف المسلمون في فهمهم لدين واحد؟*  

اللقاء المُصيري مع عالِم شيعي في رحلة بحرية إلى بيروت كان الشرارة التي أشعلت بحثه الجاد. من خلال حواراتٍ مطوَّلة، تعرَّف السماوي على رؤية الشيعة للإسلام، والتي استندت – بحسب ما رأى – إلى نصوصٍ قرآنية وأحاديث نبوية غُيِّبت أو أُعيد تفسيرها في المذاهب الأخرى. يُبرِز الكتاب حواراتٍ مفصَّلة حول عصمة الأئمة، وموقف الصحابة، ومسألة الخلافة، حيث يعتمد المؤلف على مصادر سنية كصحيحي البخاري ومسلم لتدعيم حججه، كاشفاً تناقضاتٍ تاريخية – من وجهة نظره – في الروايات السنية حول أحداث مثل "صلح الحديبية" و"رزية الخميس".  

لا يخفي السماوي تأثُّره العميق بزيارته للنجف وكربلاء، حيث اطَّلع على التراث الشيعي عن قرب. يصف مشاهدَ التألُّق الروحي في مراقد الأئمة، ويناقش إشكالية "البناء على القبور" التي تُعتبر عند الوهابية شركاً، مُحاولاً تفنيدها عبر مقارناتٍ مع ممارساتٍ سنيةٍ مشابهة. الأهم أن الكتاب يُظهِر تحوُّلاً في وعي المؤلف: من نقد الموروث الصوفي إلى تبني رؤيةٍ شيعية تُقدِّم العقلَ والاستدلال النصي أساساً لفهم الدين.  

رغم تركيز الكتاب على الدفاع عن التشيُّع، إلا أنه يُقدِّم نقداً ضمنياً للتعصُّب المذهبي. فالصراع بين السنة والشيعة – كما يراه السماوي – ليس مجرد خلافٍ تاريخي، بل نتيجةً لانغلاق كل طرفٍ على تراثه دون محاكمة عقلية. يُلاحَظ أن المؤلف يعتمد على استراتيجية "الانزياح" عن الهوية المذهبية الأولى، مُستخدِماً أدوات النقد التاريخي والفقهي لإعادة تقييم مسلَّماته السابقة، مما يمنح الكتاب بُعداً إنسانياً يتجاوز السجال الديني.  

"ثم اهتديت" ليس مجرد سيرة تحوُّل مذهبي، بل شهادةٌ على قوة البحث الفردي في زمنِ يسيطر فيه الخطاب الجمعي. يُقدِّم السماوي نموذجاً لمسلمٍ يرفض الانسياق وراء "المُسلَّمات"، ويبحث عن يقينه عبر شُكوكه، مما يجعله مرجعاً مهماً لفهم تحوُّلات الهوية الدينية في عالمٍ إسلاميٍ مُتعدِّد الأصوات.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إنارات فقهية

الكاتب إنارات فقهية

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

4664961831068661378
https://fadhelalrayes.blogspot.com/