يذهب حيدر حبّ الله إلى أنّ الفقه التقليدي انزاح، تاريخياً، نحو وظيفة ضبط الامتثال فأقصى المكوّن الأخلاقي الذي يمنح الحكم الشرعي روحه المقاصدية، فظهرت أحكامٌ صحيحة من حيث القواعد لكنها مجافية لضمير العدالة. يستند مشروعه التجديدي إلى إعادة بناء أصول الفقه بحيث تُدمَج الكليّات القيمية في تعريف الدليل، فيصير حكم العقل العملي ومكتشفات علم النفس الأخلاقي والأنثروبولوجيا جزءاً من عملية الترجيح، مع التمسك بالنص القطعي من خلال قراءة مقاصدية تجعل العدل والرحمة والكرامة حراساً على الفتوى.
يوظّف حبّ الله مفهوم «منطقة الفراغ» عند الشهيد الصدر ليقرّر أنّ الشريعة أحالت مساحة معتبرة إلى تشريع بشري منضبط بالمقاصد، وبذلك يمكن للمجالس النيابية ومجالس الخبراء أن تسن قوانين معاصرة من داخل المنظومة الدينية لا على هامشها. في هذا الإطار يعاد توصيف مسائل كالطلاق التعسفي أو التفاوت المالي؛ إذ تبقى الفتوى أداة لتحديد التكليف لكنها تقترن بتقويم أخلاقي يبيّن منزلة الفعل في سُلَّم القيم، ما يولِّد طبقة مزدوجة من الأحكام تحفظ براءة الذمة وتؤمّن شعوراً جماعياً بالعدل في آن.
يرى حب الله أنّ دمج الأخلاق بالفقه تحوّل إبستمولوجي لا مجرد تحسين خطابي، إذ يستدعي إدراج فلسفة الأخلاق في مناهج الحوزة، وتأسيس لجان مراجعة تُقيِّم الأثر القيمي قبل إعلان الفتاوى أو المصادقة على العقود البنكية والطبية، وقيام اجتهاد وحدوي ينزع الحدود المذهبية لصالح القيم المشتركة، فتغدو التجربة التاريخية لكل المذاهب مورداً معرفياً للجميع.
بهذه الرؤية يتجاوز الفقه ثنائية الأصالة والحداثة؛ يحتفظ بجذر الوحي ويستنبت فروعاً تشبع حاجات الإنسان المعاصر، فيؤول النص إلى حقل طاقة أخلاقية لا إلى جدول عقوبات، وتصبح الشريعة خطاب بناء للعمران الإنساني. هكذا يضع حيدر حبّ الله أساس ما يسميه «الفقه الأخلاقي»، مشروعاً نقدياً يراجع التراث من داخل أصوله ويستجيب لتحولات الراهن من داخل قيمه، واعداً بتحويل النظرية الفقهية إلى قوة تحرّر تحرس كرامة الإنسان وتثبت معنى العدالة في زمن التحولات الكبرى.
0 تعليقات