يقدّم الكتابُ، لمؤلفه السيد محمد باقر السيستاني، رحلةً تأمليةً عميقةً في أصول تربية الذات وتنقية الروح، مستندًا إلى مرجعيةٍ إسلاميةٍ تُبرِز التوازن بين العقل والقلب. ينطلق من فكرةٍ محوريةٍ مفادها أنَّ الحياة مدرسةٌ للاختبار، تُختبَر فيها النفوس عبر سننٍ كونيةٍ وأخلاقيةٍ رسمها الخالق. لا يكتفي الكتاب بعرض المفاهيم مجردةً، بل يربطها بواقع الإنسان اليومي، مؤكدًا أنَّ "التعقّل" هو رأس المال الحقيقي في مسيرة الحياة، وأنَّ الجهاد الأكبر يتمثل في محاربة النزعات الأنانية التي تُعيق السمو الروحي.
يُقسّم المؤلف أفكاره إلى أصولٍ مترابطةٍ تبدأ بالحكمة كمنهجٍ حيويٍّ لفهم التوازن بين الإدراك والواقع، وانتقالًا إلى ضرورة ترسيخ العقيدة كجذرٍ روحيٍّ يربط الفرد بالحقائق الكبرى (كوجود الخالق، والدار الآخرة)، وصولًا إلى تفكيك السنن النفسية والاجتماعية التي تحكم السلوك الإنساني. يستند في حججه إلى نصوصٍ قرآنيةٍ وأحاديثَ نبويةٍ، كحديث "الجهاد الأكبر" الذي يُعلي من شأن مجاهدة الهوى، محذرًا من أنَّ إهمال التزكية يُحوّل العبادات إلى طقوسٍ جوفاء.
يُلامس الكتاب إشكاليةَ الانزياح عن الفطرة السليمة تحت وطأة الأهواء، فيناقش – على سبيل المثال – كيف يُؤدي الاعتياد على النِّعَم إلى إطفاء جذوة الشكر، وكيف تُسيطر المادة على البصيرة فتُنسي الإنسانَ غايته الوجودية. لكنه، يقدّم مقاربةً عمليةً لاستعادة التوازن عبر "المراقبة الذاتية" و"تعهّد النفس بالفضائل"، مستحضرًا نماذجَ من سيرة النبي والأئمة كتجسيدٍ حيٍّ للانسجام بين العلم والعمل.
ورغم تركيزه على البُعد الروحي، إلا أنَّ الكتاب لا يُغفل الحوارَ مع العقل، فيُبرز دور الاستدلال المنطقي في تقوية الإيمان، كالربط بين إتقان الصنعة الكونية وإثبات وجود الصانع، أو تفنيد فكرة الصدفة في خلق الإنسان. لكنه يظل منغمسًا في السياق الإسلامي دون انفتاحٍ على تياراتٍ فكريةٍ أخرى، مما قد يُحدّ من إمكانيةِ تطبيق أفكاره خارج الإطار الديني.
يُقدّم الكتاب، رؤيةً شاملةً لبناء الذات الواعية، لكنه يبقى مرآةً لعصره، تحمل نفحاتٍ من الخطاب الوعظي التقليدي.
0 تعليقات